علم الطب

حسبByron J. Hoogwerf, MD, Cleveland Clinic
تمت مراجعته محرّم 1443

دأب الأطباء على علاج الأشخاص لآلاف السنين.ولعل أقدم وصفة طبية مكتوبة تعود إلى الحضارة الفرعونية القديمة منذ أكثر من 3500 عامًا.وحتى قبل ذلك، فقد دأب العطارون والكهنة على وصف معالجات عشبية وغير عشبية لشفاء المرضى والمصابين.من بين تلك المعالجات، كانت نسبة قليلة منها فعالة، كتلك المُستخدمة في علاج الكسور والإصابات البسيطة.ولكن، وحتى فترة قريبة، كانت العديد من المعالجات الموصوفة غير فعالة، بل وضارة أحيانًا.

عند العودة بالزمن 200 سنة إلى الوراء، نجد أن المعالجات الشائعة لعدد كبير من الأمراض كانت تشتمل على بَضْع الوريد بهدف استنزاف حوالى نصف لتر من الدم، أو إعطاء مواد سمّية مختلفة بهدف إثارة منعكس الإقياء أو الإسهال عند الشخص، "تطهير" الجسم من المرض وجميعها إجراءات خطرة لشخص شخص أو مصاب.منذ حوالى 120 عامٍ خلت، وبالتوازي مع إيراد بعض المعالجات المفيدة، والتي يحتمل أن تكون سامة، مثل الإسبرين وعشبة الديجيتال، فقد أورد دليل ميرك الطبي The Manual بعض المعالجات الخاطئة تمامًا، مثل الكوكايين لعلاج الإدمان على الكحول، أو الزرنيخ والتبغ لعلاج بعض حالات الربو، أو حمض السلفوريك كبخاخ أنفي لعلاج حالات الزكام.ففي ذلك الحين كان الأطباء يعتقدون بأن تلك المواد تُفيد الأشخاص.وبالطبع، من غير المنصف توقع امتلاك الأطباء في تلك الفترة للمعلومات الطبية التي نملكها اليوم، ولكن السؤال الذي يطرح نفسه: لماذا اعتقد الأطباء في حينها بأن تدخين التبغ قد يُفيد مريضًا مصابًا بالربو؟

هناك العديد من الأسباب التي دفعت الأطباء لوصف معالجات غير فعالة (وأحيانًا مضرة)، ودفعت الأشخاص للقبول بها:

  • عدم وجود معالجات بديلة فعّالة بشكل عام.

  • غالبًا ما فضَّل الأطباء والأشخاص فعل شيء بدلاً من عدم القيام بأي شيء.

  • شعور المرضى بالراحة عند إحالة المشكلة إلى شخص خبير أو مختص.

  • توفير الأطباء للدعم للمرضى وطمأنتهم في كثير من الحالات، وهو ما كانوا يحتاجونه بشدة.

ولعل السبب الأكثر أهمية هو عدم معرفة الأطباء ما هي العلاجات الفعالة حقًا.

التداوي والتعافي: هل هي علاقة سبب ونتيجة؟

عند حدوث حادثة معينة قبل حادثة أخرى بشكل مباشر، فإن الإنسان يربط بشكل طبيعي بينهما، بحيث يفترض أن الأولى هي سبب الثانية.على سبيل المثال، إذا قام شخص بالضغط على زر ما على الجدار ثم انفتح باب مصعد مجاور لذلك الزر، فسوف يفترض الشخص بصورة عفوية بأن ذلك الزر يتحكم بباب المصعد.تُعد القدرة على استنتاج مثل تلك العلاقات جزءًا رئيسيًا من الذكاء البشري، ووسيلة لفهم معظم العالم من حولنا.ولكن، كثيرًا ما يفترض البشر وجود ارتباطات سببية، في حين أنها غير موجودة.ومثال ذلك، أن يقوم رياضي بارتداء حذاء "الحظ" وأن يفوز بعدها بسباق أو لعبة كبيرة، أو أن يُصرّ طالب مدرسة على استخدام نفس القلم في كل اختبار كتابي اعتقادًا منه بأنه "قلم الحظ".

وإن طريقة التفكير هذه كانت هي نفسها السبب في الاعتقاد بجدوى بعض المعالجات الطبية غير الفعالة.على سبيل المثال، إذا قام طبيب أو كاهن بسحب حوالى نصف لتر من الدم من شخص مُصاب بالحمى، أو قرأ تعويذةً أو عباراتٍ مُعينةً عليه، ثم تعافى الشخص، فسوف يفترض الشخص بصورة تلقائية بأن ممارسات الطبيب تلك كانت هي السبب في تعافي الحمى.وبالنسبة للشخص الذي يسعى لاهثًا وراء تسكين أعراضه، فإن تحسن تلك الأعراض هو الدليل الوحيد المطلوب لإثبات تلك العلاقة السببية.ولكن هذه العلاقة الظاهرية بين السبب والنتيجة الملاحَظة في الممارسات الطبية البدائية نادرًا ما كانت صحيحة، وقد أدت للأسف إلى شيوع وهيمنة علاجات وهمية على مدى قرون طويلة.ولكن، كيف حدث ذلك؟

قد يتعافى المريض من تلقاء نفسه.خلافًا للجمادات "الشخصة" (مثل طاولة مكسورة أو قميص ممزق)، والتي لا يمكن أن تتصلح من تلقاء نفسها ما لم يتدخل شخص ويفعل ذلك، فإن الأشخاص الأشخاص كثيرًا ما يتعافون من تلقاء أنفسهم إذا تمكنت أجسامهم من علاج نفسها أو إذا انقضت الفترة الافتراضية للمرض (سواء تزامن ذلك مع حصولهم على الرعاية الطبية أو لا).فعلى سبيل المثال، تتعافى حالات الزكام في غضون أسبوع، ويتعافى ألم صداع الشقيقة في غضون يوم أو يومين، وقد تتلاشى أعراض التسمم الغذائي في غضون 12 ساعة.كما إن العديد من الأشخاص قد يتعافون من حالات مهددة للحياة، مثل النوبة القلبية أو الالتهاب الرئوي، بدون أي علاج.كما إن أعراض الأمراض المزمنة (مثل الربو أو فقر الدم المنجلي) قد تأتي وتذهب.وبالتالي، فإن العديد من العلاجات قد تبدو فعالة إذا مُنحت الوقت الكافي لتجربتها، كما إن أيّة معالجة تُقدَّم للمريض بالتزامن مع اقتراب تعافي الحالة قد تبدو فعالةً بشكل كبير.

قد يُعزى الشفاء إلى تأثير الدواء الوهمي.يمكن للاعتقاد بقوة وفعالية علاج مُعين أن يكون كافيًا لجعل الشخص يشعر بالتحسن.وعلى الرغم من أن الاعتقاد بشيء معيّن لا يمكن أن يُسبب تعافي حالةً مستبطنة، مثل كسر ساق أو إصابة بالسكري، إلا أن اعتقاد الشخص بأنه يتلقى علاجًا قويًا وفعالاً كثيرًا ما يدفعه للشعور بالتحسن.يمكن للكثير من الأعراض، مثل الألم، والغثيان، والضعف، أن تتلاشى حتى إذا كان الدواء الذي يتناوله المريض لا يحتوي على أية مادة فعالة ولا توجد له أية فائدة محتملة، كما لو كان مجرد "حبة مضغوطة من السكر" (دواء وهمي).ولكن العامل الحاسم في الأمر هو الإيمان بفائدته.

كثيرًا ما يؤدي وصف معالجات غير فعالة (بل وضارة أحيانًا) من قبل طبيب واثق من نفسه لشخص يثق بهذا الطبيب ويرجو الشفاء على يديه إلى تحسن واضح في أعراض الشخص.يُسمى هذا التأثير بتأثير الدواء الوهمي.وبالتالي، قد يشعر الناس بفائدة فعلية (وليس مجرد فائدة مُتوَهّمة) من استخدام علاج لا يؤثر بشكل واضح على مرض بعينه.تشير الأبحاث الحالية إلى وجود أساس بيولوجي لتأثير الدواء الوهمي في بعض الاضطرابات، على الرغم من أن هذا التأثير لا يستهدف المرض الفعلي.

المهم هو شفائي بغض النظر عن السبب!يجادل بعض الأشخاص في أن الأمر الوحيد المهم بالنسبة إليهم بأن تساعدهم المعالجة على تحسن أعراضهم.ولا يكترث هؤلاء ما إذا كان العلاج المُقدَّم له "يُعالج" بشكل فعلي المرض المستبطن أم لا.يمكن لمثل هذه الفرضية أن تكون منطقية نوعًا ما إذا كان العَرَض هو المشكلة الرئيسية، كما هو الأمر في حالات الصداع أو الألم اليومية، أو في الأمراض الشائعة والبسيطة مثل الزكام، والتي تتعافى عمومًا من تلقاء نفسها.في مثل هذه الحالات، يصف الأطباء أحيانًا مُعالجَات ذات تأثير بسيط على المرض، ولكنها قد تخفف الأعراض جزئيًا على الأقل بسبب تأثير الدواء الوهمي.أما في حالات الأمراض الخطيرة أو المميتة، أو في الحالات التي قد يُسبب فيها الدواء الوهمي تأثيراتٍ جانبية، فمن الضروري أن يصف الطبيب دواءً فعالًا حقيقيًا للمريض.ينبغي الموازنة بين الفوائد المحتملة للمعالجة وأضرارها المحتملة.على سبيل المثال، قد يكون أخذ أدوية لها العديد من الآثار الجانبية يستحق التجربة في حالة الأشخاص الذين يعانون من أمراض مهددة للحياة، مثل السرطان.يمكن لبعض أدوية السرطان أن تسبب أضرارًا خطيرة، مثل أمراض الكلى أو القلب، ولكنَّ هذه المخاطر تكون مقبولة غالبًا لأنَّ البديل عن تلك الأدوية (أي ترك السرطان بدون علاج)، يكون على الأرجح أسوأ من الآثار الجانبية للدواء

كيف يتأكد الأطباء من فعالية المعالجات المختلفة

منذ زمنٍ بعيد أدرك بعض الأطباء بأن الشخص قد يتحسن من تلقاء نفسه، ولذلك حاولوا مقارنة شفاء الأشخاص مصابين بنفس المرض مع استخدام أو عدم استخدام معالجة محددة.ولكن حتى منتصف القرن التاسع عشر كان من الصعب جدًا إجراء مثل هذه المقارنات.كان فهم الناس للأمراض سيئًا جدًا، وكان من الصعب تحديد ما إذا كان شخصان أو أكثر مُصابان بنفس المرض، حتى وأن ظهرت لديهم نفس الأعراض.

فقد كان الأطباء يستخدمون أحيانًا نفس المصطلح لوصف حالات مرضية مختلفة كليًا.على سبيل المثال، في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، كان يُطلق مصطلح الاستسقاء dropsy على الحالات التي يحدث فيها تورم للساقين.ولكننا نعلم اليوم بأن هذا التورم قد ينجم عن فشل قلبي، أو فشل كلوي، أو الأمراض الكبدية الشديدة، وهي أمراض مختلفة تمامًا ولا يمكن علاجها بنفس الدواء.بالإضافة إلى ذلك، فإن عددًا كبيرًا من الأشخاص الذين يعانون من الحمى والإقياء كانت إصابتهم تُشخص على أنها "حمى صفراوية". في حين أننا نعلم اليوم بأن هناك العديد من الأمراض المختلفة التي تُسبب الحمى والتقيؤ، مثل الحمى التيفية، والملاريا، والتهاب الزائدة، والتهاب الكبد.

وبالتالي، لم يتمكن الأطباء من تقييم المعالجات بشكل فعال إلى أن أصبح التشخيص الدقيق للأمراض والمُستند إلى أسس علمية شائعًا، وهو ما ظهرت بشائره في بداية القرن العشرين.ولكن مع ذلك، كان لا بد للأطباء من تحديد الطريقة الأمثلة حول كيفية تقييم العلاج الأمثل.

حجم العينة

في البداية، ينبغي على الأطباء إدراك أنه لا بد من معاينة استجابة أكثر من شخص واحد للعلاج.حيث إن تحسن أو ازدياد سوء حالة شخص أو شخصين قد يكون مجرد مصادفة.أما إذا حقق العلاج نتائج جيدة عند عدد كبير من الأشخاص فسوف يضعف احتمال أن يكون ذلك بمحض الصدفة.وكلما ازداد عدد الأشخاص المعالجين الذين يشملهم التقييم (حجمة العينة)، كلما ازداد احتمال أن تكون فوائد المعالجة أو تأثيراتها الجانبية المشاهدة حقيقية.

المجموعة الشاهدة

حتى وإن لاحظ الأطباء استجابة جيدة لعلاج جديد لدى مجموعة كبيرة من الأشخاص، فإن ذلك لا يغني عن التحقق ما إذا كان يمكن الوصول إلى نتائج مماثلة لدى نفس العدد من الأشخاص (أو أكثر) بشكل عفوي دون علاج أو باستخدام دواء مختلف.ولهذا السبب، فإن الأطباء يقارنون النتائج عادةً بين مجموعتين من الأشخاص الذين يتلقون العلاج موضوع الدراسة (مجموعة العلاج) ومجموعة أخرى تُسمى المجموعة الشاهدة control group، والتي يُعطى أفرادها إما

يُطلق على الدراسات التي تشتمل على مجموعة شاهدة اسم الدراسات المضبوطة controlled studies.

الإطار الزمني

في البداية، كان الأطباء يقومون بإعطاء جميع المرضى العلاج الجديد، ثم يقارنون نتائج المعالجة بمجموعة شاهدة من الأشخاص الذين جرى علاجهم بأدوية مختلفة في وقت سابق (سواءً من قبل نفس الأطباء أو غيرهم).يُطلق على مجموعة الأشخاص المُعالجة مسبقًا اسم المجموعة الشاهدة التاريخية.على سبيل المثال، إذا وجد الأطباء بأن 80% من مرضى الملاريا قد نجوا بعد تلقي علاج جديد، في حين أن 60% فقط منهم قد نجوا سابقًا عند علاجهم بدواء قديم، فقد كانوا يستنتجون بأن الدواء الجديد أكثر فعالية.

ولكن المشكلة في الوصول إلى مثل تلك الاستنتاجات هو أن تحسن ظروف الرعاية الطبية التي رافقت التجربة الثانية قد يكون هو المسؤول عن تحسن نتائج المعالجة، وليس المعالجة الجديدة بحد ذاتها نفسه.على سبيل المثال، من غير المناسب مقارنة نتائج معالجة أشخاص في العام 2021 مع نتائج معالجة أشخاص في العام 1971.في أحد الأمثلة، كان داء القرحة الهضميَّة يُعالج في الأصل باتِّباع نظام غذائي غني بالحليب أو القشدة أو بالجراحة، ثمَّ بالأدوية التي تُؤدِّي إلى تثبيط الحمض، ومؤخرًا بالمضادَّات الحيويَّة.تحتاج المقارنات بين المُعالجَات المستخدمة مع مرور الزمن إلى أخذ التغيُّرات في فهم سير المرض بعين الاعتبار.

الدراسات الاستشرافية يمكن أن يساعد على تجنب المشاكل مع المجموعات الشاهدة التاريخية.في الدراسات الاستشرافية، يحاول الأطباء تشكيل مجموعة معالجة ومجموعة شاهدة في نفس الوقت، ومراقبة نتائج العلاج على كل منها.ينبغي أن تكون الخصائص ذات الصلة للأشخاص في مجموعات المعالجة والمراقبة متشابهة.على سبيل المثال، إذا كانت النتيجة التي يجري دراستها هي الوفاة الناجمة عن السرطان أو أمراض القلب، فينبغي أن تكون أعمار الأشخاص في كل مجموعة متشابهة لأن هذه الأمراض تكون أكثر شيوعًا عند كبار السن.

المقارنة بين مجموعتين من التفاح

لعل العامل الأكثر إثارةً للقلق في جميع أنواع الدراسات الطبية، بما فيها الدراسات التاريخية، هو ضرورة المقارنة بين مجموعتين متشابهتين من الأشخاص.

في المثال الأول على المجموعات الشاهدة التاريخية، فإن مجموعة الأشخاص التي حصلت على العلاج الجديد للملاريا (المجموعة الشاهدة) كانت مكونة في معظمها من أشخاص شباب مُصابين بحالات بسيطة من الملاريا، في حين أن المجموعة الشاهدة المُعالجة مُسبقًا كانت مكونة من أشخاص مُسنين يعانون من حالات شديدة، ولعل النتائج الإيجابية التي ظهرت في مجموعة المعالجة كانت ناجمة ببساطة عن أن أفرادها كانوا يتمتعون بصحة أفضل وسن أصغر.وبالتالي، قد يصل الباحثون إلى استنتاج زائف بأن العلاج الجديد أفضل من العلاج السابق.

هناك العديد من العوامل التي ينبغي أخذها أيضًا بعين الاعتبار، غير السن وشدة المرض، مثل:

  • مدى الصحة العامة عند الأشخاص الذين تُجرى الدراسة عليهم (حيث من المتوقع أن تكون نتائج العلاج أسوأ عند الأشخاص الذين يعانون من إصابات مزمنة، مثل السكري أو الفشل الكلوي وذلك بالمقارنة مع الأشخاص الذين يتمتعون بصحة أفضل)

  • الطبيب أو المُستشفى المُقدم للرعاية (فقد يتفوق طبيب بخبرته على طبيب آخر، أو تتفوق مستشفى معينة بجودة خدماتها على مستشفى آخر)

  • نسبة الذكور إلى الإناث في مجموعتي الدراسة (حيث يميل الرجال والنساء للاستجابة بشكل مختلف للعلاج)

  • ما إذا كانت الدراسة تتضمن مجموعة سكانية متنوعة (ينبغي أن تكون المُعالجَات آمنة وأن تعمل بشكل جيد عند الأشخاص الذين لديهم خصائص مختلفة، مثل الأعراق المختلفة، أو المواقع الجغرافية المختلفة، أو الحالات الاجتماعية والاقتصادية المختلفة)، لأن المعالجات قد تؤثر بشكل أكثر فعالية في بعض هذه المجموعات

جرب الأطباء العديد من الطرق للتأكد من أن المجموعات التي تجري المقارنة بينها متشابهة فيما بينها قدر الإمكان، ولكن هناك طريقتان رئيسيتان للقيام بذلك:

  • دراسة الحالات والشواهد (دراسة استعادية) case-control study: يجري في هذه الحالة ضبط محكم لمجموعتي الدراسة بحيث تُقابل كل حالة في مجموعة المعالجة حالة مشابهة قدر الإمكان في المجموعة الشاهدة (من حيث العمر، والجنس، والصحة، وهكذا دواليك) واستخدام التقنيات الاحصائية للمساعدة على تحقيق المقارنة بين المجموعات.

  • الدراسات المُعشّاة randomized trials: حيث يجري توزيع الأشخاص في مجموعتي الدراسة بشكل عشوائي

تبدو دراسات الحالات والشواهد صعبة ودقيقة.على سبيل المثال، إذا قام طبيب بدراسة علاج جديد لارتفاع ضغط الدم، وكان أحد الأشخاص في مجموعة المعالجة يبلغ من العمر 42 عامًا ومصابًا بالسكري، فسوف يحاول الطبيب التأكد من وجود شخص آخر في الأربعينيات من عمره أيضًا ويعاني من ارتفاع ضغط الدم ومُصاب بالسكري في المجموعة الشاهدة.ولكن هناك العديد من العوامل المختلفة بين البشر، والتي قد لا يضعها الطبيب في حسبانه أو حتى تخطر على باله، ولذلك فمن شبه المستحيل خلق مجموعة شاهدة مناظرة تماماً لمجموعة المعالجة في جميع أفرادها.

أما الدراسات المُعشّاة فتقلل من احتمال الفوارق بين المجموعات التي تؤثر في نتائج الدراسة باستخدام طريقة مختلفة تمامًا.إن أفضل طريقة لضمان التناظر بين المجموعات هو الاستفادة القصوى من قوانين الاحتمالات والتوزيع العشوائي للأشخاص المصابين بنفس المرض في مجموعتي الدراسة (غالبًا ما يكون ذلك بمساعدة البرامج الحاسوبية).تكون قابلية المقارنة بين المجموعات أكثر احتمالًا عند مطابقة المجموعات باستخدام متغيرات معروفة مثل العمر، والجنس، ووجود أمراض أخرى.ولكن، إحدى المحاسن الهامة والفريدة للتوزيع العشوائي هي أن أية عوامل تؤثر في نتائج الدراسة ولكنها غير معروفة (وبالتالي لا يمكن مطابقتها بين المجموعات)، من المرجح أن يتم توزيعها بشكل عشوائي بين المشاركين والمجموعات.كلما كان حجم كل مجموعة أكبر، كلما زاد احتمال وجود سمات متشابهة للأشخاص في كل مجموعة.

تُعد الدارسات المُعشاة الاستشرافية prospective randomized studies الطريقة الأمثل للتأكد من أن المعالجة أو التجربة تجري مقارنتها بين مجموعتين متكافئتين من المرضى.

تحييد العوامل الأخرى

حالما يقوم الطبيب بإنشاء مجموعتين متكافئتين، فينبغي أن يتأكد من أن العامل الوحيد الذي يختلف بينهما في الدراسة هو العلاج بحد ذاته.وبهذه الطريقة، يمكن للطبيب التأكد من أن أية اختلافات في نتائج الدراسة تعود إلى العلاج وحده، وليس لعوامل أخرى مثل جودة الرعاية الصحية، أو خدمات متابعة المرضى وتكرارها.

ولعل العلاج الوهمي هو عامل آخر مهم ينبغي أخذه بعين الاعتبار.حيث إنه من المتوقع أن يستجيب المرضى للمعالجة بشكل أفضل عندما يعرفون بأنهم يحصلون على علاج حقيقي وليس على علاج وهمي (أو علاج قديم يفترضون بأنه أقل فعالية).في حين أن أشخاص آخرين يتوقعون حدوث تأثيرات جانبية أكثر جراء الحصول على علاج جديد لا يزال في طور التجربة.وفي كلتا الحالتين، يمكن لتوقعات المرضى أن تضخم من تأثيرات المعالجة الجديدة، وتجعلها تبدو أكثر فعالية أو ذات مضاعفات أكثر مما هي عليه في الواقع.

التعمية blinding، وتُسمى أيضًا التقنيع masking، هي تقنية تُستخدم للحد من المشاكل الناجمة عن تأثير الدواء الوهمي.هناك نوعان عامان من التعمية: الأحادية والمزدوجة.

  • التعمية الأحادية هي الحالة التي لا يعلم الأشخاص المشاركون في الدراسة ما إذا كانوا يحصلون على الدواء الجديد أم القديم.ولذلك تجري "تعميتهم" عن هذه المعلومة.عادةً ما تترافق التعمية مع إعطاء الأشخاص في المجموعة الشاهدة مادةً مشابهة تمامًا من الناحية الشكلية للدواء، دون أن تكون لها أية تأثيرات علاجية (دواء وهمي).في الدراسات أحادية التعمية، يعلم فريق الدراسة دور العلاج، ولكن المشاركين لا يعرفون ذلك.

  • التعمية المزدوجة هي الحالة التي لا يعلم كل من المشاركين في الدراسة والعاملين فيها من هم المشاركون الذين سيتلقون علاجًا جديدًا والمشاركون الذين سيتلقون دواءً وهميًا.فقد يكشف الطبيب أو الممرضة للشخص (بشكل غير مقصود) طبيعة الدواء الذي يحصل عليه، وبالتالي "يكشف تعمية" الشخص، ولذلك فإن من الأفضل تعمية الممارسين الطبيين أيضًا بحيث لا يعلموا أي الدوائين يُقدمان للشخص المشارك في التجربة.ومن الأسباب الأخرى التي تدفع للتعمية المزدوجة هي أن الدواء الوهمي قد يترك تأثيره حتى على الطبيب، الذي قد يعتقد بأن المعالجة تسير بشكل أفضل عند الشخص الذي تلقاها بالمقارنة مع الشخص الذي تلقى الدواء الوهمي، حتى وإن كانت النتائج السريرية متشابهة عند كليهما.عادةً ما تتطلب التعمية المزدوجة قيام شخص غير مشارك في الدراسة، مثل صيدلي، بتحضير مادتين دوائيتين متشابهتين يجري تمييزهما عن بعضهما برمز خاص.ولا يُكشف هذا الرمز إلا بعد انتهاء التجربة.

قد يكون من غير الممكن جعل جميع الدراسات الطبية مزدوجة التعمية.فعلى سبيل المثال، يمكن للأطباء الجراحين الذين يقارنون بين نوعين من العمليات الجراحية أن يدركوا بوضوح ما إذا كان العلاج الجراحي هو التجريبي أم الوهمي أو المعروف مسبقًا (على الرغم من إمكانية إخفاء هذا الأمر عن الأشخاص).في مثل هذه الحالات، ينبغي على الأطباء التأكد من أن الأشخاص الذين يقيمون نتائج المعالجة غير مدركين لماهية الإجراء الذي خضعوا له، وبالتالي لا ينحازون عفويًا لتصور معين.

ولكن عند توفر معالجة فعالة ومعروفة لمرض معين، فقد يكون من غير الأخلاقي وصف دواء وهمي فقط للمرضى في المجموعة الشاهدة.وفي هذه الحالات، لا يزال من الممكن تقييم المُعالَجات غالبًا باستخدام تصميمات دراسات أخرى، كما في الأمثلة التالية:

  • لتحديد ما إذا كانت المعالجة الجديدة تعزز من فعالية المعالجة المعيارية، يمكن للدراسة مقارنة النتائج باستخدام مشاركة من المعالجة المعيارية مع المعالجة التجريبية الجديدة أو مع دواء وهمي.

  • لمقارنة علاج جديد معروف بفعاليته مع المعالجة المعيارية، يمكن للدراسة مقارنة نتائج استخدام المعالجة الجديدة مع نتائج استخدام المعالجة المعيارية.إذا كان من الضروري الحفاظ على التعمية، فيمكن إضافة الدواء الوهمي إلى كلتا المجموعتين العلاجيتين.

في كل طريقة، يجب أن تبدو مواد كل العلاجات متطابقة بحيث لا يستطيع المشاركون التمييز بينها، وإذا كانت الدراسة مزدوجة التعمية، فينبغي ألا يستطيع موظفو الدراسة التمييز بينها أيضًا.إذا تلقى المرضى في مجموعة المعالجة شرابًا أحمر اللون، ومُرًّا، فينبغي أن يكون الدواء في المجموعة الشاهدة مُرًّا، وأحمر اللون أيضًا.وإذا تلقى المرضى في مجموعة المعالجة سائلًا رائقًا عن طريق الحقن، فينبغي أن يتلقى المرضى في المجموعة الشاهدة حقنة مشابهة أيضًا.

اختيار تصميم التجربة السريرية

النوع الأفضل من التجارب السريرية هو النوع الذي يشتمل على جميع العناصر المذكورة أعلاه

  • يعني مصطلح استشرافي prospective بأنه يجري ضم أفراد المجموعات العلاجية والشاهدة إلى الدراسة قبل البدء بها، ثم تجري متابعتهم بعد ذلك

  • يعني مصطلح مُعشَّاة randomized بأنه يجري توزيع المشاركين في الدراسة بشكل عشوائي بين المجموعات العلاجية

  • يعني مصطلح الضبط بدواء وهمي placebo controlled أن بعض المشاركين في التجربة يتلقون دواءً وهمياً (علاج غير فعال)

  • يعني مصطلح مزدوج التعمية double blinded بأن كلاً من المشاركين في الدراسة وموظفوها لا يعلمون من يتلقى العلاج الحقيقي ومن يتلقى الدواء الوهمي

يساعد هذا التصميم على تقرير فعالية المعالجة على أفضل نحو.ولكن، قد لا يكون من الممكن تصميم الدراسة بهذا الشكل أحيانًا.على سبيل المثال، إذا كان المرض الذي تجري دراسته نادر جدًا، فغالبًا ما يكون من الصعب العثور على عدد كافٍ من الأشخاص لإجراء تجربة مُعشاة.في مثل هذه الحالات، قد تُجرى تجارب حالات وشواهد استرجاعية retrospective case-control trials.

التَنوع

لكي تكون نتائج التجارب قابلة للتطبيق على العالم الحقيقي، ينبغي أن يمثل المشاركون في التجربة جميع السكان المصابين بالمرض قيد الدراسة، بما في ذلك شرائحهم العمرية، وأجناسهم، وأعراقهم، وحالاتهم الاجتماعية والاقتصادية، وأنماط حياتهم.يمكن للمقارنة الأكثر دقة بين مجموعتين متماثلتين أن تصبح أكثرَ سهولة من خلال حصر المشاركين في الدراسة ضمن مجموعاتٍ معيَّنة.ولكن التجارب السريرية التي تكون نتائجها قابلة للتطبيق بشكل أكبر على جميع السكان تُجند مجموعة متنوعة من المشاركين.ففي الولايات المتحدة على سبيل المثال، تشكل الأقليَّات العرقية والإثنية ما يقرب من 40 ٪ من السكان.ويمكن للدراسة التي تفتقر إلى مثل هذا التنوُّع أن تفوّت بعض العوامل المهمَّة.بالنسبة لبعض الأدوية، قد يؤثر العرق والخلفية الجينية للشخص في فعالية هذا الدواء.فعلى سَبيل المثال، يكون نقص إنزيم G6PD أكثر شُيُوعًا عند الرجال من أصولٍ أفريقيَّة أو آسيويَّة أو متوسطيَّة، ويمكن لبعض الأدوية أن تحفز الإصابة بفقر الدَّم الانحلالي عند الأشخاص الذين يعانون من عوز G6PD.من خلال إشراك أشخاص من خلفيات متنوعة، يمكن للتجارب السريرية أن تُظهِر ما إذا كانت المُعالجَات آمنة وتعمل بشكل جيد عند الأشخاص من مجموعات مختلفة.ومع ذلك، فإن عوامل مثل الحالة الاجتماعية والاقتصادية، ومستويات الأمية، وسهولة الوصول إلى وسائل النقل، والقرب من موقع الدراسة يمكن أن تجعل تجنيد مجموعة متنوعة بما يكفي من السكان أمرًا صعبًا.

quizzes_lightbulb_red
Test your KnowledgeTake a Quiz!
iOS ANDROID
iOS ANDROID
iOS ANDROID