بما أن العديد من الأمراض تشترك بنفس الأعراض، فقد لا يكون من السهل على الطبيب تحديد سبب الشكوى الرئيسية لدى المريض. يقوم الطبيب في البداية بجمع المعلومات الأساسية عن طريق التحدث إلى المريض وفحصه بشكل مباشر. في كثير من الأحيان، قد يكون هذا هو كل ما يحتاجه الطبيب لتشخيص حالة المريض. او على الأقل، تساعد تلك المعلومات الطبيب على حصر الأسباب المحتملة للأعراض، وتقليل عدد الاختبارات التشخيصية التي يمكن إجراؤها للكشف عن السبب. حيث إن طلب إجراء اختبارات تشخيصية دون حصر الأسباب المحتملة للأعراض قد يكون مُكلفًا جدًا، ويزيد من فرصة التشخيص الخاطئ للحالة، ويُعرض المريض لمخاطر غير ضرورية (انظر هل يحتاج كل مريض إلى إجراء اختبارات طبية؟)
جمع المعلومات الطبية الأساسية
يقوم الطبيب بـ
تشتمل هذه العملية على تحديد الأمراض التي يُحتمل أنها مسببة للأعراض، وما هي الأمراض التي يمكن استبعادها من هذا الاعتبار.
أخذ التاريخ الطبي
فيما يخص التاريخ الطبي، يقوم الطبيب بسؤال المريض عن تفاصيل الأعراض التي يشكو منها، والحالات الطبية الأخرى لديه، والأحداث السابقة المتصلة بحالته الصحية.
تُعد تفاصيل الأعراض من المعلومات الهامة جدًا في القصة السريرية للمريض، مثل زمن بداية ظهور الأعراض، وما إذا كانت مستمرة أو متناوبة، وما هي الأشياء التي تخفف منها. كما يقوم الطبيب بسؤال المريض عن الأعراض الأخرى التي يُحتمل أنه نسي أن يذكرها. على سبيل المثال، قد يسأل الطبيبُ المريضَ الذي يشكو من السعال ما إذا كان يعاني أيضًا من سيلان أنف وألم في الحلق (وهو ما يقترح بأن السعال سببه عدوى فيروسية في المجاري التنفسية العليا).
يمكن لبعض جوانب حياة المريض ونمط حياته أن تزيد من خطر الإصابة بأمراض محددة. على سبيل المثال، يكون المدخنون أكثر عرضة للإصابة بسرطان الرئة من غير المدخنين، كما إن مرضى السكري يكونون أكثر عرضة للإصابة بأمراض القلب من الأشخاص غير المصابين بالسكري، وقد يزداد خطر الإصابة بأمراض محددة عند الأشخاص الذين ينتمون لعرقيات محددة. ولذلك، فإن التاريخ الطبي للمريض غالبًا ما يتضمن أسئلة حول:
عند تحري الأسباب الكامنة للأعراض، فغالبًا ما سيأخذ الطبيب في اعتباره النقاط التالية:
الفحص السريري
بعد التحدث إلى المريض، يقوم الطبيب بإجراء الفَحص السَّريري. يمكن لوجود أو عدم وجود علامات جسدية أن يساعد على حصر قائمة الأسباب المحتملة لأعراض المريض.
يقوم الطبيب بالتحقق من معدل نبض المريض، ومعدل التنفس، وضغط الدم (يُسمى ذلك بقياس العلامات الحيوية) ويفحص المظهر العام للمريض ويتحرى علامات المرض. تشمل العلامات العامة للمرض مظهر الضعف، أو التعب، أو الشحوب، أو التعرق، أو صعوبة التنفس. بعد ذلك، يقوم الطبيب بفحص أجزاء الجسم المختلفة، ويبدأ عادةً بالرأس نزولاً إلى القدمين. يُركز الطبيب في فحصه على الأجزاء التي يشتكي منها المريض وتتوضع فيها الأعراض، كما يفحص الأجزاء الأخرى لتحري أية شذوذات أو مظاهر غير طبيعية.
أنواع الاختبارات الطبية
يتم إجراء الفحوص الطبية لأسباب مختلفة، بما في ذلك:
قد لا يستفيد بعض المرضى من إجراء الاختبارات (انظر هل يحتاج جميع المرضى لإجراء اختبارات طبية؟).
الاختبارات التَّشخيصية
يتم إجراء الاختبارات التَّشخيصية لتحري أسباب الأعراض التي يشتكي منها المريض. ينبغي على الطبيب أن يضع النقاط التالية في اعتباره عند اقتراح إجراء اختبار طبي:
يجري تحديد الأمراض الأكثر احتمالا بناءً على التاريخ الطبي للمريض والفَحص السَّريري، مع أخذ ملاحظات المريض وخلفيته الطبية بعين الاعتبار.
بشكل عام، يفضل الأطباء إجراء الاختبارات التي تتميز بكونها:
ولكن قد لا تتمتع جميع الاختبارات الطبية بكل هذه الميزات. ينبغي على الأطباء توظيف خبراتهم لاختيار الاختبارات الأنسب والأصلح لكل مريض.
هناك العديد من الأسباب التي قد تحول بين المريض وحصوله على الاختبار المُرشح من قبل الطبيب للتحري عن مرض معين. وفيما يلي بعض الأمثلة على تلك الأسباب:
-
قد يعاني المريض من رهاب الأماكن المغلقة، مما يدفعه إلى رفض إجراء التصوير بالرنين المغناطيسي MRI
-
قد لا يتمكن المرضى الذين يعانون من حساسية أو اضطراب كلوي من أخذ حقن عوامل التباين المُستخدمة في بعض التَّصوير المقطعي المحوسب CT أو التصوير بالرنين المغناطيسي
-
قد لا يتمكن المرضى الذين يسكنون في مناطق نائية من السفر إلى مراكز المدن حيث تتوفر فيها بعض أنواع الاختبارات الطبية
-
قد لا يتمكن المريض من تحمل تكلفة الاختبار الطبي
في مثل هذه الحالات، يختار الطبيب إجراء أفضل اختبار آخر مُتاح.
يمكن لخطورة الأعراض ووضع المريض العام أن يؤثر في خيارات اختبارات التشخيص:
-
بالنسبة للأعراض التي تكون خفيفة ولا يُحتمل أن تكون ناجمة عن مرض خطير يُجري الطبيب عددًا أقل من الاختبارات. وعند الضرورة، يمكن إجراء اختبارات إضافية في وقت لاحق.
-
بالنسبة للحالات المرضية الخطيرة والأعراض التي تُشير إلى أمراض قد تُسبب ضررًا فوريًا فقد يختار الطبيب إجراء عدة اختبارات في آنٍ معًا لتشخيص الحالة بأسرع وقت ممكن. وإذا كان الوقت يُشكل عاملًا حاسمًا، فقد يختار الطبيب قبول المريض في المستشفى.
عندما تفشل الاختبارات الأقل بضعًا (مثل اختبارات الدَّم أو التصوير بالأشعَّة المقطعية) في الكشف عن سبب المرض، فقد يوصي الطبيب بإجراء اختبارات أكثر بضعًا (مثل الخزعة النسيجية أو الإجراء الجراحي) كخطوة تالية. في مثل هذه الحالات، ينبغي على المريض فهم مخاطر وفوائد الإجراء التشخيصي قبل الموافقة عليه، وبالتالي لا بد من إعطاء موافقة مستنيرة informed consent. في بعض الحالات الخاصة، قد يطلب الطبيب من المريض إبداء مدى اهتمامه بمعرفة ما إذا كان مُصابًا بمرض معين، أو الحصول على علاج لذلك المرض إذا تبين بالفعل أنه مُصاب به (انظر تحديد الأهداف).
اختبارات التحري والاستقصاء
تُجرى اختبارات التحري والاستقصاء لتحري أمراض معينة عند أشخاص لا تظهر لديهم أية أعراض. على سبيل المثال، يوصي معظم الأطباء جميع الأشخاص الذين تزيد أعمارهم عن 50 عامًا بإجراء تنظير للقولون للتحري عن سرطان القولون، حتى ولو لم يعانوا من أية أعراض، وكانوا يتمتعون بصحة جيدة. يستند التحري إلى القاعدة التي تنص على أن تشخيص المرض وعلاجه في وقت مبكر يُساعد على الخروج بنتائج أفضل. وعلى الرغم من أن الفكرة صحيحة من حيث المبدأ، إلا أنها لا تكون صحيحة دائمًا على أرض الواقع. ففي بعض الأمراض، مثل سرطان الخصية وسرطان المبيض، لا توجد أية فوارق في نتائج العلاج بين المرضى الذين تُكتشف إصابته عن طريق اختبارات التحري، وبين المرضى الذين تُكتشف إصابتهم بعد ظهور أول الأعراض.
كما إن نتائج اختبار التحري عادةً ما تحتاج للتأكيد باختبارات أخرى أكثر دقة. على سبيل المثال، إذا أظهرت الصور الشعاعية للثدي (الماموغرام) وجود كتل غير طبيعية في الثدي، فلا بد من إجراء خزعة جراحية لتأكيد أو نفي وجود إصابة بسرطان الثدي. وغالبًا ما تكون هذه الاختبارات الدقيقة باضعة، وغير مريحة، وفي بعض الأحيان خطيرة. على سبيل المثال، يمكن لخزعة الرئة أن تُسبب انخماص الرئة. وبما أن نتائج اختبارات التحري تكون كاذبة أحيانًا (وهو أمر طبيعي، فلا يوجد اختبار دقيق بنسبة 100%)، فإن بعض الأشخاص سوف يخضعون لاختبارات غير ضرورية قد تلحق الأذى بهم. وهكذا، فلا يوصي الأطباء بإجراء اختبارات التحري والاستقصاء إلا في حالة الأمراض التي يمكن لمثل هذه الاختبارات أن تُحسن من نتائج علاجها.
من الضروري إجراء تجارب سريرية لمعرفة أي اختبارات التحري تكون أكثر فعالية، وأيها ينبغي على الناس إجراؤه. على الرغم من هذه المخاوف، فمن المؤكد بأن التحري والاستقصاء عن بعض الأمراض، مثل ارتفاع ضغط الدم وسرطان عنق الرحم، يساعد على إنقاذ أرواح العديد من الناس. ولكي يُعد اختبار التحري والاستقصاء مفيدًا، لا بد أن يكون:
اختبارات التصنيف والمراقبة
تُستخدم بعض الاختبارات لتصنيف وقياس شدة المرض الذي سبق تشخيصه. يمكن لنتائج هذه الاختبارات أن تساعد على انتقاء الخيارات العلاجية الأفضل والأكثر فعالية. على سبيل المثال، بعد تأكيد تشخيص سرطان الثدي، تُجرى اختبارات جديدة لتحديد نوع السرطان، وما إذا كان السرطان قد انتشر إلى أعضاء أخرى، وما هي تلك الأعضاء.
كما تُستخدم هذه الاختبارات لمراقبة سير المرض مع مرور الزمن، وغالبًا لتحديد مدى الاستجابة للعلاج. على سبيل المثال، تُجرى اختبارات دموية بشكل دوري عند المرضى الذين يأخذون الهرمون الدرقي لعلاج قصور الغُدَّة الدرقية وتحديد ما إذا كانت المعالجة الهرمونية كافية أو لا. يُتخذ قرار إجراء مثل هذه الاختبارات بناءً على حالة المريض.
تفسير نتائج الاختبارات الطبي
لا يمكن اعتبار الاختبارات الطبية على أنها إجراءات كاملة أو مثالية (انظر هل يحتاج جميع المرضى لإجراء اختبارات طبية؟). يمكن لنتيجة الاختبار الطبي أن تكون طبيعية في حين يكون الشخص مصابًا بالفعل بالمرض الذي يتحرى الاختبار عنه. وهذا يعني أن الاختبار قد تكون له نتائج سلبية كاذبة. في حين يمكن لنتيجة الاختبار الطبي أن تكون غير طبيعية في الوقت الذي يكون فيه الشخص غير مصاب بالمرض الذي يتحرى الاختبار عنه. وهذا يعني أن الاختبار قد تكون له نتائج إيجابية كاذبة.
هناك ميزتان هامتان جدًا للاختبارات التشخيصية، هما حساسية الاختبار ونوعيته:
لا يمكن التحقق من هاتين الميزتين في أي اختبار إلا عن طريق إجراء دراسات سريرية ضخمة.
وبالتالي، ينبغي على الأطباء الاعتماد على المعلومات المتوفرة حول دقة الاختبار، وخبرتهم الطبية، وظروف المريض عند تفسير نتيجة اختبار ما، سواءً كانت إيجابية أم سلبية. عندما يشتبه الطبيب بقوة بوجود مرض معين، حتى وإن كانت نتيجة الاختبار الأولي سلبية، فقد يطلب إجراء المزيد من الاختبارات لتحري هذا المرض.